في تمام الثامنة مساءً السبت 16 يوليو (GMT)، بدأ أفراد من الجيش التركي انقلابهم العسكري الخامس في تاريخ البلاد، مسيطرين على مقر التلفزيون الرسمي، ومعلنين من خلاله سيطرته على البلاد، وحظر التجوال، وإغلاق جميع المطارات، وتعليق الدستور، وفرض الأحكام العرفية، وإنشاء مجلس سلام لإدارة البلاد.

ووضعت محاولة الانقلاب، الشعب التركي، بين فكي الرحى، وخياران كلاهما مر، أولهما أن يعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المزيد من الإجراءات للسيطرة على البلاد، أو أن تدخل البلاد في حقبة جديدة من الحكم العسكري حال نجاح المحاولة، بما لها من ويلات ومساوئ.

شاهد من التاريخ
باستعراض التاريخ التركي، نجد أن الانقلاب العسكري بات أمرًا متوقعا لدى العديد من المحللين السياسيين، فمن المعروف أنه لا دخان بلا نار، ودخان الانقلاب بدأ منذ أدار رجب طيب أردوغان البلاد عام 2002 بصفته رئيسا للوزراء من خلال حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه، ثم كرئيس للبلاد في عام 2014.

الانقلاب العسكري.. لماذا؟
ومن خلال سلطاته المستمرة في المكانين (كرئيس للوزراء ثم رئيسا للجمهورية) بحكم الأمر الواقع، سعى الرئيس التركي لتقليم أظافر الجيش التركي من خلال عدة خطوات، أهمها جعل الجيش خاضع للسلطة المدنية كإحدى مؤسسات البلاد، وتقليص صلاحيات المحاكمات العسكرية لصالح نظيرتها المدنية، وتوسيع صلاحيات الحكومة في اختيار قادات الجيش، بالإضافة لإلغائه إرث الفكر الكمالي، والذي يعد العقيدة المؤسسة للجمهورية، والذي يعد أيضًا حصنًا ضد أسلمة البلاد، والنزعة الكردية الساعية للانفصال، كل ذلك في سبيل السعي لتحقيق شروط الانضمام للإتّحاد الأوروبي.

يأتي ذلك بالإضافة لقضيّة “أرغينيكون”، والتي اعتقل على أثرها العشرات من اللواءات، واحتجاز المئات من العسكريين المتقاعدين، إثر اتهامهم بعض عناصر الجيش بتدبير انقلاب ضدّ حزب العدالة والتنمية الإسلامية، وهو الصراع الذي توج باستقالة جماعيّة للمجلس العسكري التركي الأعلى في يوليو 2011، وقضيّة “المطرقة”، والتي أعيد محاكمة العسكريين المتهمين فيها بتدبير انقلاب ضدّ حزب العدالة والتنمية، وتمت تبرئتهم لاحقًا.

ويتمتع الجيش التركي، رغم الإصلاحات الأخيرة التي أجراها أردوغان، بصلاحيات واسعة، حيث لا زالت الموازنة العسكريّة سرية بشكلٍ كبير، كما أن رئيس هيئة الأركان لا يخضع لسلطة وزير الدفاع، بالإضافة لسطوته الكبيرة على الشؤون السياسية في البلاد، حيث يتعامل من منطلق أنه حامي الديمقراطية والعلمانية، وهو ما اتضح في بيان الجيش الأول بعد الانقلاب حيث قال فيه “نريد رد الاعتبار لسمعة تركيا.. الحكومة الحالية أضرت بالنظام الديمقراطي والعلماني”، مستندا في ذلك إلى قانون الخدمة العسكريّة الداخلي، والذي ينص على أن “مهمّة القوات المُسلّحة التركيّة تتمثّل في الحفاظ على وحماية الوطن التركي والجمهوريّة كما هو مُحدّد في الدستور”.

ضربات متتالية

وجاء الفشل الحالي، قبل أن يتعافى الجيش التركي من الضربات الموجعة التي تلاحقه منذ تولي أردوغان زمام الأمور، والتي بدأت ببيان نشره الجيش في 2007، حذر فيه من مغبة دعم حزب العدالة والتنمية لعبدالله غول، المعروف بانتمائه للتيار الإسلامي، والذي عرف فيما بعد باسم “الانقلاب الإلكتروني”، وهو ما لاقى انتقادات واسعة في الشارع التركي، وقلص نفوذ الجيش بدرجة كبيرة، الأمر الذي اتضح في الانتخابات العامة التالية في 2011، حيث فاز الحزب الحاكم بنسبة 49.91%، بزيادة 3.35% مقارنة بالانتخابات السابقة في 2007.

بيد أن تحركات الرئيس التركي أردوغان ومحاولته الاعتماد على الشرطة في مواجهة الجيش أتت ثمارها، حيث قامت حكومته مؤخرا بفصل القيادة العامة لقوات الشرطة الريفية شبه العسكريّة المعروفة بـ”الجندرمة” عن هيئة الأركان العامة وضمها لوزاة الداخلية، في محاولة لملء صفوفها بأنصار حزب العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي اتضح من خلال تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم بأن “قوات الأمن سترد على الانقلاب العسكري.”، حيث اتخذت الأخيرة إجراءات داعمة للنظام من خلال إطلاق النيران على الطائرات التابعة للجنرالات أصحاب الانقلاب.

يأتي ذلك بالإضافة لغياب الظهير الشعبي، الأمر الذي يبدو متوقعا بالنظر إلى أرقام الانتخابات الأخيرة التي أجريت في نوفمبر 2015، حيث فاز حزب العدالة والتنمية بنسبة تتراوح بين 50 و65 بالمائة، علاوة على التاريخ الدموي للانقلابات العسكرية التركية، لاسيما في انقلاب العام 1980، والذي شهد خلال الثلاث سنوات الأولى منه إعدام 50 شخصا، واعتقال 650 ألف شخص، ووقوع 299 حالة وفاة بسبب التعذيب، و30 ألفا آخرين في المنفى.

الخاسر الأكبر

كل المعطيات تقول بأن الخسارة الأكبر من نصيب الشعب التركي، حيث راح ضحية العملية 161 قتيلًا و1154 جريحًا من المدنيين، و205 قتلى و2839 معتقلًا من الانقلابيين. بالإضافة لاعتقال 6000 آلاف شخص ممن لهم علاقة بالانقلاب، حتى الآن.

كل ذلك حدا بالمواطنين تجاه رفض الانقلاب، الأمر الذي اتضح في خروج الملايين من الشعب التركي لمؤازرة النظام الحالي، ليعلن الرئيس التركي استعادة السيطرة على البلاد.

المصادر: https://www.foreignaffairs.com/articles/2016-05-30/turkeys-next-military-coup

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/where-does-erdogan-want-to-take-turkey

Tags: