من الحماقة أن نستغرب القرار الأمريكي بنقل سفارة واشنطن إلى القدس، واعتبار زهرة المدائن عاصمة لدولة الاحتلال، فالدعم الأمريكي لدولة الاحتلال ليس وليد اللحظة، بل نستطيع القول أن إسرائيل لم تكن لتكون لها قائمة لولا هذا الدعم، والذي يتنوع بين اللوجيستي والمادي، إضافة للصمت العربي المتخاذل، والرافض على استحياء لكل الانتهاكات الإسرائيلية بحق العرب.

ليس بالجديد إذا أن يتم إعلان القرار السابق، فنقل السفارة جاء طبقا لقانون أمريكي معروف باسم “سفارة القدس”، أقره الكونجرس في 23 أكتوبر 1995، يقضي بالشروع في تمويل عملية نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس في موعد أقصاه 31 مايو 1999، ورغم ذلك، لم يتوقف الحكام العرب عن التطبيع مع إسرائيل، أو الانصياع وراء أميركا وخطب ودها.

قرارات الأمم المتحدة حول القدس – كذلك – لم تعد ذات جدوى، فعبر 7 عقود، لم تؤثر قرارات “الأمم المتحدة” الأربعة على قرار الرئيس الأمريكي ترامب، والذي تحدى الجميع، معلنا ما هو واضح: إسرائيل فوق القانون الدولي.

قبل 70 عاما، اعترفت واشنطن بدولة الاحتلال الإسرائيلي، وعلى مر العقود، واصلت الأخيرة انتهاكاتها بحق الفلسطينيين، لتقيم في القدس مقرات حكومتها، والبرلمان، الكنيست، والمحكمة العليا.

وفي سبتمبر 2016، اتفق الطرفان على مساعدات أمريكية لإسرائيل قيمتها 38 مليار دولار، في مبلغ يعد من أكبر ما تلقته إسرائيل على مر العصور، ليصل مجموع المساعدات المقدمة لها، والتي في مجملها عسكرية 121 مليار دولار، بحسب تقرير نشره مركز “خدمة أبحاث الكونجرس” تحت عنوان “مساعدات الولايات المتحدة الخارجية لإسرائيل“.

في نفس الشهر (سبتمبر 2016) أكد المرشح للرئاسة الأمريكية –آنذاك- دونالد ترامب، لرئيس وزراء دولة الاحتلال، أنه سينقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس حال فوزه بالرئاسة، وأنه “سيعلن اعترافه أن القدس هي عاصمة إسرائيل”.

لا نبالغ إذًا لو قلنا أن إسرائيل تعد الولاية الأمريكية الواحدة والخمسون. ما يدعو للتعجب حقا هو ردود الفعل العربية حول الأمر، والتي تنوعت ما بين الشجب والإدانة بلهجات حادة، من حكومات بعضها أعلن تأييده لترامب قبل حتى أن يتم اختياره رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن نقل السفارة كان من بنود برنامجه الانتخابي.

وفور فوزه بالرئاسة كان الشاجبون أنفسهم أول المهنئين، وعلى رأسهم رؤساء دول وحكومات الإمارات، والكويت، والعراق، ولبنان، وقطر، وتركيا  والأردن، بل والسعودية ومصر، واللتان تعدان الداعم الأكبر والمؤثر في القضية الفلسطينية.

تمت إضافة الفقرتين التاليتين بتاريخ 13 ديسمبر 2017

ومثال آخر للتخاذل حضور 16 رئيسا، من بين ممثلي 57 دولة، في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي -ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة – ولم يكن من بينهم ملك السعودية (أكبر دولة إسلامية في العالم)، أو رئيس «مصر العروبة»، بينما شارك في القمة العربية الإسلامية الأمريكية، والتي عقدت في مايو الماضي بالسعودية، 36 رئيسا وأميرا وملكا من بين ممثلي 55 دولة.

وعلى مستوى الجامعة العربية، لم يستطع أعضائها الـ22 الاتفاق على عقد اجتماع طارئ بشأن القدس، واكتفت ببيانات الشجب والندب، واجتماع على مستوى وزراء الخارجية، أعلنت خلاله تمسكها بالقرارات القديمة؛ التي لم تمنع ترامب من إعلان القدس عاصمة لدولة الاحتلال.

القضية تطرح أبعادا أكبر من القرار الذي لن يتم تنفيذه إلا بعد عامين، ناهيك عن أن القدس محتلة ومعالمها تم تهويدها بالفعل، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن في 8 أكتوبر 2017 أنه لن يمضي قدمًا في تعهده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، لأنه يريد «إعطاء فرصة للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين». إلا أنه عاد في إعلانه الأخير مشددا أن “أي اتفاق سلام مع الفلسطينيين ينبغي أن يتضمن القدس عاصمة لإسرائيل”. فهل تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن التظاهر بدعم السلام؟

Tags: